الحديث التاسع - كتاب القصاص - المجلس الثاني عشر => كتاب القصاص ۞ المجروحين لابن حبان - المجلس الرابع => المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ۞ المجروحين لابن حبان - المجلس الخامس => المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ۞ المجروحين لابن حبان - المجلس السادس => المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ۞ دفع اللجاج عن صحيح مسلم بن حجاج => الخـطب والـدروس ۞ المجروحين لابن حبان - المجلس السابع => المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ۞ المجروحين لابن حبان - المجلس الثامن => المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ۞ المجروحين لابن حبان - المجلس التاسع والأخير => المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ۞ فضائل رمضان لابن أبي الدنيا => الخـطب والـدروس ۞ فضائل رمضان للمقدسي => الخـطب والـدروس ۞
مساوئ الأخلاق للخرائطي السيرة النبوية الصحيحة من مصادرها الأصلية كتاب القصاص
القائمة الرئيسية
 
 
البحث
 
البحث في
 
القائمة البريدية
 

أدخل بريدك الالكتروني لتصلك آخر اخبارنا
 
عدد الزوار
  انت الزائر :193604
[يتصفح الموقع حالياً [ 27
الاعضاء :0الزوار :27
تفاصيل المتواجدون
 

مسألة في النهى

المقال
مسألة في النهى
6324 زائر
09-04-2012
د / صبري عبد المجيد

وهذه مسألة أصولية مهمة مستلة من كتاب البيوع من كتاب بدر التمام.
وهي مسألة رئيسة في أصول الفقه، وهي النهي: يقتضي التحريم، النهي: يقتضي الفساد.
النهي يقتضي التحريم اتفاقًا، والاختلاف في كونه يقتضي الفساد.
والمسألة تتلخص في الآتي:
أولا:النهي عن الشيء على قسمين:
القسم الأول: أن يكون النهي لغيره: وهو قسمان:
أحدهما: ما نُهي عنه لمعنى جاوزه، يعني غير لازم للفعل، أو إلى أمر مقارن أو مجاور له، يعني غير متوجه إلى ذات الشيء.
مثاله:
1- النهي عن البيع وقت نداء الجمعة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [الجمعة: ٩]ومحله: أنه اشتغل ببيعه عن السعي إلى الجمعة بعد ما لزم، وهذا معنى النهي عن الشيء لمعنى جاوزه، وهو معنى تجاوز البيع.
2- الصلاة في الدار أو في الأرض المغصوبة.
3- الصلاة في الثوب المسروق أو الحرير.
4- طبخ الطعام أو تسخين الماء بحطب أو كهرباء أو غاز مغصوب...الخ.
هذا النوع لا يقتضي الفساد عند الجمهور خلافًا لمالك وأحمد وداود الظاهري سواء كان في العبادات وغيرها كما ذكرت.
أو في العقود مثل:
1- البيع على بيع أخيه.
2- بيع المُصرَّاة.
3- بيع الحاضر لباد.
4- بيع المعيب، والنجش.
5- الخطبة على خطبة أخيه.
تخريج الأمثلة الأولى:
مبنى على مسألة انفكاك الجهة واتحادها أو مالهجهة واحدة أو جهتان.
فالجمهور قال: بانفكاكها بمعنى أن الفعل تترتب عليه آثاره المقررة شرعًا مع لحوق الكراهة به لنهي الشارع عنه.
إذن الفعل صحيح، ولبس الحرير منهي عنه مطلقًا في الصلاة وغيرها، وعليه فالصلاة صحيحة مع الإثم .
مسألة: وهل يؤثر هذا الإثم في قدر الصلاة؟
قال ابن تيمية: هذا الإثم ينقص من صلاته بقدره، ولا تبرأ ذمته كبراءة من صلى صلاة تامة، ولا يُعاقب كعقوبة منلم يصل، بل يعاقب على قدر ذنبه، قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة: ٧ – ٨] وهو كما قال رحمه الله تعالى، وكذا يقال في الصلاة في المكان المغصوب أو الثوب المسروق...
وأما الأمثلة الثانية: فتخريجها مبني على مسألة وهي:
1- ما نهي عنه لأجل حق الله، وهذا محرم وفاسد باتفاق، كنكاح المحرمات، والربا، والخمر، والزنا،... الخ.
2- ما نهي عنه لأجل حق الآدمي في المعاملات، وهو المراد هنا.
وله صورتان:
الأولى: أنه لا يقتضي الفساد إذا عَلِم المظلوم، فقد أعلمه الشارع بحكمه له، وأثبت له الخيار، بمعنى أن الشارع حفظ له حقه ابتداءً، وسلّطه على الخيار، للحديث الأول في الباب، « فإن شاء أمضى، وإن شاء فسخ »
الثانية: أنه فاسد إذا لم يعلم المظلوم لتعدي ظلمه خفيّة فالعقد فاسد بهذه الصورة، وللمظلوم فسخه عند علمه إلا إذا شاء إمضاءه.
الثاني من القسم الأول: ما نُهي عنه لمعنى اتصل به وصفًا، أو النهي عن الشيء لوصف لازمه، بمعنى أن النهي في حقيقته يلاقي بعض أوصاف الفعل اللازمة له، أي بعض شروط وجوده، ولا يتجه إلى ذات الفعل وحقيقته.
مثاله:
1- النهي عن صوم يوم العيد
2- النهي عن صوم يوم من أيام التشريق
3- النهي عن البيع بثمن آجل مع جهالة الأجل
4- البيع بشرط فاسد
وهذا النوع اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه يقتضي الفساد كالمنهي عنه لعينه، وهو قول الجمهور، واختاره الزركشي، خلافًا للحنفية، وأكثر الأصوليين من المتكلمين.
الثاني: لا يقتضي الفساد مطلقًا، وعزاه ابن الحاجب للأكثرين، وهوللأصوليين المتكلمين كما ذكرت في الأول.
الثالث: يقتضي الفساد من وجه، ولا يقتضيه من وجه آخر، وهو قول الحنفية.
مثاله: إذا باع جنيهًا بجنيهين ثم رمى الزيادة.
قالوا: إن العقد صحيح في القدر المساوي، وباطل في الجنيه الزائد.
وهذا يدل على فاسد الوصف لا فساد المنهي عنه.
وهذا معنى قولهم: صحيح بأصله، فاسد بوصفه.
ومثله: النهي عن الصلاة في أعطان الإبل.
قالوا: الصلاة صحيحة مع الكراهة.
وهكذا بالغوا في تطبيق هذه القاعدة عندهم فاشتدت مخالفتهم للأئمة الثلاثة وجماهيرهم.
وحقيقة هذا الخلاف يرجع إلى مسألة، وهي:
إذا أمر الشارع بشيء مطلقًا ثم نهى عنه في بعض أحواله، هل يقتضي ذلك النهي إلحاق شرطالمأمور به حتى يقال: إنه لا يصح بدون ذلك الشرط، ويصير الفعل الواقع بدونهكالعدم.
مثاله:
1- الأمر بالصوم مطلقًا، والنهي عن الصوم في أوقات كيوم العيد.
2- الأمر بالطواف مطلقًا، والنهي عنه في حال الحيض وغيره.
فالجمهور على أن النهي هنا يقتضي الفساد؛ لأن العمل والحالة هذه على المنهي عنه، فهو خاص من عام، ومقيد من مطلق، وإلحاق شرط المأمور به لا يُثبتُ صحته بدونه، وهذا يعني اعتمادهم على اتحاد الجهة أو الجهة الواحدة.
وخالف الحنفية فقالوا: لا يقتضي الفساد؛ لأن الوصف المنهي عنه دون الأصل المتصف به، ما معنى هذا؟
يعني تخصيص الفساد بالوصف المنهي عنه دون الأصل المتصف به حتى لو أتى به المُكَلَّف على الوجه المنهي عنه يكون صحيحًا بحسب الأصل فاسدًا بحسب الوصف، وهنا إعمال قاعدة انفكاك الجهة.
مثاله:
إذا نذر صوم يوم العيد، ينعقد نذره، ويجب عليه إيقاعه في غير يوم العيد، فإن أوقعه فيه كان حرامًا، ويقع عن نذره، أي: يجزئه.
وكذا إذا طافت المرأة حائضًا، كان حرامًا، ويجزئها عن طواف الفرض حتى يقع به التحلل، وهذا معنى قولهم:
صحيح بأصله، فاسد بوصفه، وهذا يعني: اعتمادهم على انفكاك الجهة أو الجهتين.
ولا يُسلَّم للحنفية في هذا للاعتماد على الرأي المجرد عن القرائن المحفوفة بالخبر المنزل على قوم فهموه وعملوا به على قول الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة، وهو المعتمد.
وكذا يقال لأصحاب القول الثاني من هذا القسم من المتكلمين، ألا تراه صلى الله عليه وسلم قال للحائض: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ » ففهمت منه فساد العمل، إذا فعلته، وأنه لا يجزئها، ولذا التزمت رضي الله عنها.
ومن جانب آخر نقول للحنفية: إن الشارع نهى عن صوم يوم العيد، وأنتم تقولون بجواز نذر صوم يوم العيد المنهي عنه، فيكون كمن تعمد صومه ابتداء، وهذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: « ما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه » فدعوه، وقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا...} وقوله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ » والمنهي عنه ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم من حيث العموم، وهذا يقضى بفساده، وإلحاق الإثم بفاعله المتعمد، حسبما هذا القسم الذي نحن بصدده، فهذه أصول وقواعد مرفوضة.
فرع: سبق ذكر فتوى ابن تيمية في كتاب الحج بجواز طواف الإفاضة للمرأة الحائض، بشرط تأخرها عن الركب بما يتأكد ضرره عليها، فهنا نراه أعمل جواز ارتكاب أخف الضررين، في ظل مقاصد الشريعة على قاعدة الضرورة تبيح المحظور، وهذه حالة اضطرارية وليست اضطرادية كما أعملوا الحنفية، فتوسعوا في قياساتهم على قواعدهم الرأيية فانتبه.
القسم الثاني: أن يكون النهي لعينه، أي: لذات الفعل أو لجزئه، سواء كان لحق الله أو لآدمي، وفيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنه يقتضي الفساد مطلقًا سواء كان المنهي عنه عبادة أو معاملة يعني: من حق الله أو آدمي، وهو قول الأئمة الأربعة وجماهيرهم والظاهرية، وطائفة من المتكلمين، وحكى النووي وغيره الاتفاق على ذلك، وكأنهم لم يعتبروا القولين الآتيين في الخلاف.
مثاله:
1- بيع السمك في ماء البحر.
2- بيع الجنين في الرحم.
3- بيع الطير في الهواء.
4- نكاح المحرمات، والزنا، والربا، والخمر.
وهذا واضح.
الثاني: أنه لا يقتضي الفساد مطلقًا، وهو قول طائفة من المتكلمين كالأشعري، والقاضيين أبي بكر وعبد الجبار وغيرهما، وحكاه فخر الدين الرازي في محصوله عن أكثر الفقهاء، والآمدي في أحكامه عن المحققين، وتوجيهه أنهم من بني جلدتهم، أي: المتكلمين الاعتزاليين » .
وحَكَى بعضهم عن الشافعي قولان هنا وهناك، ولم يعتبره الغزَّالي وأفسده، وحُكي عن الحنفية والصواب فساده عنهم، وخلافهم إنما هو في النهي عنه لغيره فانتبه. فرجعنا إلى اعتماد ما حكاه النووي وغيره، وهذا القول مخالف لما عليه جماهير الصحابة التابعيين، وأئمة الفتوى، فلا يرد هؤلاء بكلام مبني على الرأي والذوق المجردان، ولأجل ذلك لم يعتبره النووي وشنع عليه ابن تيمية في فتاويه.
الثالث: أنه يدل على الفساد في العبادات دون المعاملات (العقود) وهو قول أبي الحسن البصري، وحُكي عن جماعة من متأخري الشافعية، وعن الرازي، والغزَّالي على اختلاف عليه، وما في كتبه الفقهية يقضي بخلافه كما نص عليه الزركشي، وهو كسابقه. ولو قالوا في النهي لغيره حسبما المناط في دلالة النهي لكان سائغًا كما سبق. أمَا أنه على ظاهره فكان كسابقه في الحكم عليه، فتأمله ولا تغتر!!
وبعد هذا العرض المختصر:
يظهر لنا توجيه كلام ابن تيمية في الفتاوى (29/ 281- 290) بما دل عليه قول جمهور العلماء ومنهم الأربعة وغيرهم.
قال ابن تيمية: النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورِهِمْ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ؛ يُخَالِفُ فِي هَذَا لَمَّا ظَنَّ أَنَّ بَعْضَ مَا نُهَى عَنْهُ لَيْسَ بِفَاسِدِ ....، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الْعَارِفِينَ بِتَفْصِيلِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ.... الخ.
وكذا ما قاله العز بن عبد السلام في قواعده: كل تصرف منهي عنه لأمر يجاوزه أو يقارنه مع توفر شرائطه وأركانه فهو صحيح، وكل تَصرُّفٍ منهي عنه ولم يُعلم لما نهي عنه فهو باطل، حملاً للفظ النهي على الحقيقة.
وكذا ما قاله الشوكاني في إرشاد الفحول:
والحق أن كل نهي من غير فرق بين العبادات والمعاملات يقتضي التحريم عنه وفساده المرادف للبطلان اقتضاءًً شرعيًا ولا يخرج عن ذلك إلا ما قام الدليل على عدم اقتضائه لذلك، ومما يُستدل به قوله صلى الله عليه وسلم: « كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد » والمنهي عنه ليس عليه أمره فهو رد، ما كان مردودًا فهو باطل، وهذا هو المراد بكون النهي مقتضيًا للفساد.
استفد هذا فإنه من مهمات المسائل الأصولية الشائكة، وعليها كثير من القضايا الفقهية القديمة والجديدة في كل زمان ومكان.
فرع: الفساد والبطلان في العبادات والمعاملات (العقود ) بمعنى واحد عند جمهور العلماء خلافًا للحنفية في المعاملات على النحو التالي:
الفساد تترتب عليه بعض الآثار، أو ما شرع بأصل دون وصفه أو ما لم يشرع لا بأصله ولا بوصفه.
الباطل: لا يترتب عليه أثر ما. ماذا يعني هذا؟
قالوا: إن العبادة وصفت للاختبار والامتثال والطاعة ابتغاء رضوان الله، ولا سبيل إلى هذا كله إلا بإيقاعها كما أمر الله ورسوله، ولا يتحقق هذا إلا إذا لم تحصل فيه مخالفة لا في ذاته ولا في وصفه، ولذا كان الفساد في العبادات كالبطلان، وهذا ظاهر.
وأما المعاملات فقالوا: إن المقصود بها تحقيق مصالح العباد، وآثارها تتوقف على أركانها وشروطها، فإذا تحققت فقد وجد الشيء وثبت له كيانه وهيكله إلا أن هذا الكيان والهيكل قد يكون كاملاً إذا وجدت كل أوصافه، وفي هذه الحالة يكون صحيحًا.
وإذا اختل هذا الكيان أو الهيكل بناء على ما يتوقف عليه، ففاتت بعض أوصافه، في هذه الحالة يكون بين الباطل من وجه، والصحيح من وجه، حسبما وجدت الأوصاف وفاتت، وهذا هو الفاسد.
وهذا يعني: أن البطلان عندهم أعم من الفساد أو الفساد أخص من البطلان.
وهذا لا يسلم لهم بمثال من أمثلة كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: « لا نكاح إلا بولي » وبقوله: أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل » وفي الباب من طرق تحرر، لا تُزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تنكح نفسها ».
وآخر: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بعظم وروث، وقال: « إنهما لا يطهران » عن أبي هريرة عند الدارقطني (1/56) وصححه، وذكره ابن حجر في فتحه (1/308) وعزاه للدارقطني وبما ذكرت، وقال ابن حجر: وفي هذا رد على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئ وإن كان منهيًّا عنه ».
وآخر:
نهيه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقال: « وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابًا ».
من حديث ابن عباس عند أبي داود (3479) وإسناده صحيح.
فهذه أمثلة ظاهرة تقضي بالفساد الذي هو البطلان.
مسألة: هل النهي الذي للتنزيه يقتضي الفساد أم لا؟
الجواب: أولا: محل الخلاف المشهور في أن النهي الذي هو للتحريم يقتضي الفساد أو لا؟ إنما هو في النهي الذي للتحريم لما بين الصحة والتحريم من التضاد، وهذا وقع بينهم باتفاق كما سبق، والخلاف في اقتضائه الفساد، وسبق تحريره مختصرًا.
أما النهي الذي للتنزيه فعلى قولين:
الأول: لا يقتضي الفساد: وهو ما عليه جمهور الأصوليين، واختاره الزركشي وغيره، وتعليله: أنه لا تضاد بين الاعتداد بالشيء مع كونه مكروهًا.
الثاني: يقتضي الفساد: وهو ما عليه الغزَّالي وابن الصلاح والنووي.
وتعليله عند الغزَّالي، لأن المكروه مطلوب الترك، والصحة أمرٌ شرعي، فلا يمكن كونه صحيحًا، لأن طلب تركه يوجب عدم الإتيان به إذا وقع وذلك هو الفساد، وعليه فلا تصح الصلاة في الأوقات المكروهة، وإن قلنا: إنها كراهة تنزيه.
وبنحوه عن الأخرين: إن الكراهة مانعة من الصحة سواء كانت تحريمًا أو تنزيهًا، لأنها تضاد الأمر كيف كانت لأنها للترك، ولأمر طلب الفعل.
والتحقيق: أن القول الأول هو الصواب، لأن المكروه هو ما طلب الشارع تركه لا على سبيل الحتم والإلزام، أو ما طلب الشارع الكف عنه طلبًا غير ملزم.
ذلك لأن المكروه صار مكروهًا بقرينة صارفة، وذلك يتبع روايات الأخبار الواردة، وهذا يعني أن المنهي عنه له صورتان:
الأولى: صورة مقيدة كالكلاليب وهو المحرم، والثانية: فيها بحبوحة وتركه أولى هذا هو التنزيه.
مثال ذلك: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول قائمًا، وبال النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا، فتفرعت عنه الأحكام سبقت في كتاب الطهارة، وكذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا، وشرب النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا.
فكيف تحمل هذه المنهيات وغيرها كثير، إذا لم تكن على التنزيه، ثم رأينا العلماء السالفين قد يطلقون لفظ الكراهة على ترك الأولى إذ هو التنزيه، وعلى ما وقعت الشبهة في تحريمه وإباحته.
استفد هذا المختصر فإنه مهم، والله أعلم.

   طباعة 
0 صوت
جديد المقالات
أفأمنوا مكر الله؟ - ركــــن الـمـقـالات
روابط ذات صلة
المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي
اتصل بنا :: اخبر صديقك :: سجل الزوار :: البحث المتقدم :: الصفحة الرئيسية